فصل: قتال اليهود يجلب النصر على باقي الأعداء

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الوعد من خيبر إلى القدس **


 مقدمة

 بين غزوة خيبر وسقوط القدس

‏(‏صفر 7 هـ - صفر 1387 هـ‏)‏

‏(‏حزيران 628م - حزيران 1967م‏)‏

قبل أن تشرع في قراءة مضمون هذا الكتيب قف أخي القارئ قليلاً مع العنوان وتأمل جيداً تلك التواريخ التي وضعناها أسفل منه‏.‏‏.‏‏.‏ إنها ليست من نسج الخيال ولكنها حقيقة أثبتناها بعد تحرٍّ من مصادر عديدة موثوقة وخرجنا بعدها بهذا الاكتشاف المذهل والذي تتطابق فيه بشكل عجيب ذكرى غزوة خيبر مع ذكرى سقوط القدس، ولاشك أن ذلك يزيدنا مضاضة وألماً وحسرة ويزداد معه جرحنا رعفاً وتزداد قلوبنا أسى وحزناً ‏.‏‏.‏ فكيف يعقل أن يجتمع مثل هذين النقيضين معاً لأمة، الجهاد في سبيل الله ذروة سنام دينها ‏؟‏‏؟‏

إننا نستصرخ هذه الأمة أن تقف طويلاً مع هذه الغزوة علّها تعيد كتابة التاريخ من جديد كما ينبغي له أن يكون، فغزوة خيبر التي جرت أحداثها في شهر صفر من السنة السابعة للهجرة1 ‏(‏ويوافق أيضاً شهر يونيو حزيران عام 628م‏)‏ ‏[‏ ذكر ذلك المقريزي في إمتاع الأسماع أما ابن إسحاق فقد ذكر أن خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - من المدينة تجاه خيبر كان في أواخر المحرم أي أن جل وقائع وأحداث الغزوة التي استمرت قرابة الشهر حصل في صفر ‏]‏‏.‏ لربما كانت الأقل حظاً من بين وقائع السيرة النبوية تداولاً وتناولاً بيننا فلا نكاد نجد لها حضوراً في وسائل الإعلام المرئية أو المسموعة أو المقروءة ولا في المناهج الدراسية‏.‏‏.‏ وبالكاد يتعرض لها الخطباء على المنابر ‏.‏‏.‏‏!‏‏!‏

وإنه لمحزن ومؤلم حقاً أن نغفل عن سلاح ماض بين أيدينا في وقت نحن أحوج ما نكون فيه لحجر نقاتل به يهود‏.‏‏.‏وكيف لنا أن ننتصر عليهم وهم أشد حرصاً منَّا على استقراء سيرة نبينا -صلى الله عليه وسلم- واستخلاص ما يزيدهم بغضاً وحقداً عليه وعلى دينه وأتباعه وغرس ذلك في نفوس أبنائهم على مر الزمان ‏.‏‏.‏ ليس أدل على ذلك من قولة موشي دايان وزير دفاعهم في باحة الأقصى ‏:‏‏"‏هذا يوم بيوم خيبر‏"‏ ، وهتافه بكل حقد ‏:‏ ‏"‏لقد وصلنا أورشليم وما زال أمامنا يثرب وأملاك قومنا فيها‏"‏، أما غولدا مائير - رئيسة وزراء الكيان الصهيوني في ذلك الوقت - فقد قالت ‏:‏ ‏"‏إنني أشم نسيم يثرب وخيبر ‏"‏ ‏.‏ قالوها في ذلك اليوم الحزين الذي خيّم فيه ليل ثقيل على قدسنا التي تدنست فيه - ولا تزال - بأقذر خلق الله ‏.‏‏.‏ يعيثون فيها فساداً وإفساداً‏.‏‏.‏

والملفت للأنظار حقاً أنهم اختاروا ذكرى غزوة خيبر قبل ثلاثة وثلاثين عاماً لدخول الأقصى وذلك في صفر 1387هـ الموافق يونيو حزيران عام 1967م‏.‏‏.‏ ذلك اليوم الذي تقيأ فيه اليهود أحقادهم صائحين‏:‏‏"‏محمد مات مات خلّف بنات ‏.‏‏.‏ حطّوا المشمش عالتفاح دين محمد ولّى وراح‏"‏ ولأنهم يعرفون خيبر جيداً فقد رددوا‏:‏‏"‏يا لثارات خيبر‏"‏‏.‏‏.‏

ولولا فتية آمنوا بربهم جاءوا بعد ذلك الزمن الرديء تحدّوا أحفاد حيي بن أخطب وابن أبي الحقيق وتصدوا لهم بهتاف‏:‏ ‏"‏خيبر خيبر يا يهود ‏.‏‏.‏ جيش محمد سوف يعود‏"‏ لقلنا إن الأمة مقطوعة مبتوتة عن معين الخير ولكننا سنبقى تلاميذ في مدرسة الفئة الظاهرة على الحق المتصلة عبر الزمان مع المعلم الأول والقائد القدوة صلى الله عليه وسلم ‏.‏

مخلص برزق - صنعاء

الجمعة 29 صفر 1421هـ2 يونيو‏(‏حزيران ‏)‏ 2000م

 

الوعد من خيبر إلى القدس

لم تكن غزوة خيبر كأي غزوة أخرى خاضها نبي الملحمة صلى الله عليه وسلم فقد كانت معركة شرسة وحاسمة، كما أن نتائجها المصيرية امتدت آثارها على مدى القرون السابقة من الزمان، وعلى الرغم من أنه لم يكن هناك - من وجهة النظر العسكرية المادية المجردة - أي عامل مادي يتفوق به الجيش الإسلامي على اليهود في تلك المعركة إلا أن جميع تلك العوامل لم تحل دون انتصار المسلمين انتصاراً مؤزراً مبيناً قضى على الوجود اليهودي قضاءً مبرماً‏.‏

ومن خلال استعراض الكيفية التي تم فيها تحقيق الوعد الأول بانتصار هذه الأمة على يهود سوف تقطع أمتنا شوطاً كبيراً في طريقها لتحقيق الوعد الآخر من خلال استشراف العبر والدروس من بعض أحداث غزوة خيبر ولتتضح لنا معالم المعركة، بل معالم أي معركة تدور بيننا وبين اليهود ‏.‏ وهو ما سنعرض له خلال النقاط التالية‏:‏

 

قتال اليهود شرف لا يحوزه أي شخص

لما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخروج إلى خيبر بعث منادياً فنادى‏:‏‏"‏لا يخرجن معنا إلا راغب في الجهاد‏"‏ فلم يخرج معه إلا أصحاب الشجرة وهم ألف وأربعمائة وتخلف من تخلف عن الحديبية كما أخبر الله تعالى ‏{‏سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل‏}‏ ‏[‏الفتح‏:‏ 15‏]‏‏.‏

وفي تلك الغزوة أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم- يُشوِّق أصحابه ويمنّيهم لنيل شرف حمل الراية ضد اليهود بقوله ليلة دخوله خيبر‏:‏ ‏"‏لأعطينَّ الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله وفي رواية يفتح الله على يديه ليس بفرار‏"‏، فلما أصبح غدوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلهم يرجو أن يعطاها‏.‏‏.‏فأعطاها لعلي رضي الله عنه‏.‏ وفي رواية مسلم أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال ‏:‏ ‏"‏ ما أحببت الإمارة إلا يومئذ‏"‏،قال‏:‏ ‏"‏ فتساورت ‏[‏ أي تطلعت لها‏]‏‏.‏ لها رجاء أن أدعى لها ، فدعى رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب فأعطاه إياها ‏"‏ ‏.‏

ومما يدل على حرص الصحابة - رضي الله عنهم - على نيل شرف مقاتلة اليهود ما فعله جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه- ومن معه من مهاجري الحبشة، إذ أنهم لمَّا قدموا المدينة لم يجدوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فلحقوه إلى خيبر التي تبعد ستين أو ثمانين ميلاً شمال المدينة بغية المشاركة في شرف الجهاد ضد اليهود، ولكنه كان قد فرغ من القتال، ولذلك فقد أشركهم في الغنائم وأسهم لهم منها ‏.‏‏.‏

وهو نفس ما حصل مع أبي هريرة - رضي الله عنه - إذ أنه قدم المدينة مسلماً فلم يجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها فتزود من فوره للمسير إلى خيبر لقتال اليهود ولكن المعارك كانت قد انتهت فأشركه النبي - صلى الله عليه وسلم - أيضاً في الغنائم ‏.‏

والسيرة حافلة بمثل تلك المواقف فقبل غزوة خيبر كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد كلف محمد بن مسلمة ونفراً من الأوس بقتل اليهودي كعب بن الأشرف فلما رجعوا برأسه، قالت الخزرج ‏:‏‏"‏ والله لا تذهبون بهذه فضلاً علينا أبداً ‏"‏؛ فتذاكروا من رجل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العداوة كابن الأشرف ‏؟‏ فذكروا اليهودي سلاَّم بن أبي الحقيق، وهو بخيبر، فاستأذنوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قتله فأذن لهم ‏.‏ فخرج إليه من الخزرج من بني سلمة خمسة نفر منهم عبد الله بن عتيك وعبد الله بن أنيس وغيرهم فقتلوه في حصنه وعادوا وقد دبَّ الرعب في يهود ‏.‏فإذا كان الناس قد زهدوا بهذا الشرف هذه الأيام فإن ذلك يزيد المجاهدين على أرض فلسطين قدراً ورفعة وسُموّاً حتى وإن وُصِفُوا بالإرهابيين والمتطرفين ‏.‏

وهل أعظم من أن الذي يسقط شهيداً وهو يقاتل اليهود ينال أجر شهيدين كما روى أبو يعلى عن قيس بن شماس عن أبيه عن جده قال ‏:‏ استشهد شاب من الأنصار يوم قريظة يقال له خلاد فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏"‏أما إن له أجر شهيدين‏"‏ ، قالوا‏:‏ لم يارسول الله ‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏لأن أهل الكتاب قتلوه‏"‏ ‏.‏ وكذلك قال عن عامر بن الأكوع الذي استشهد في خيبر ‏.‏‏.‏

 النصر على اليهود وعد إلهي لا يخلف

في كتابه القيِّم ‏"‏حقائق قرآنية حول القضية الفلسطينية‏"‏ يتبنى الدكتور صلاح الخالدي تفسيراً حديثاً لحقيقة الوعد الأول والوعد الآخر والإفسادين المقترنين بالعلو الكبير لبني إسرائيل في هذين الوعدين‏.‏‏.‏ فيسوق الدلائل والبراهين على أن الإفساد الأول لليهود كان في المدينة وما حولها من خيبر وفدك وتيماء ويصفه بأنه ‏"‏كان فساداً عقيدياً، فكانوا يزعمون أنهم أبناء الله وأحباؤه، وأن الجنة مقصورة عليهم، وأن عزيراً ابن الله، وغير ذلك‏.‏

كان فسادهم أخلاقياً، فكانوا يعملون على إفساد أخلاق العرب من حولهم، وكان فسادهم اجتماعياً، حيث عملوا على تفكيك وإضعاف صلات العرب الاجتماعية‏.‏

وكان فسادهم علمياً، حيث روجوا لإسرائيلياتهم، ونشروها بين العرب، وهي لا تعدو كونها خرافات وأساطير‏.‏

وكان فسادهم سياسياً، حيث أفسدوا حياة القبائل العربية السياسية - إذا صح التعبير- ونشروا بينهم الخلاف والنزاع والفرقة، وحرصوا على ربط هذه القبائل بهم في صورة أحلاف، حيث كانت كل قبيلة عربية متحالفة ومرتبطة بقبيلة يهودية‏.‏

لقد أفسد اليهود كل مظاهر ومرافق ومجالات الحياة العربية، في منطقة المدينة قبل الإسلام، وتحكموا في المال والاقتصاد عند العرب، ويكفي أن نعلم أن سوق الذهب في المدينة كان بيد اليهود، وأن ‏"‏السوق الكبير‏"‏ للتجارة والبيع والشراء كان بيدهم، وأن ‏"‏المال‏"‏ كان بيدهم، وأنهم أرهقوا العرب بالقروض الربوية الباهظة ‏[‏حقائق قرآنية حول القضية الفلسطينية ص 162‏]‏

أما إفسادهم في المدينة بعد البعثة فكان أبرز سماته تكذيبهم لبعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- ونبوته ومعاداتهم له وخوضهم الحروب وتحزيبهم الأحزاب ضده مع علمهم بأنه النبي الحق الذي يجدونه مكتوباً عندهم في كتبهم ويعرفون صفاته أكثر من أبنائهم، بل إن عداوتهم له كانت منذ ليلة مولده وقبل بعثته وقبل هجرته وبعدها ‏.‏‏.‏ وقد قام النبي - صلى الله عليه وسلم - هو والصحابة الكرام- رضي الله عنهم - بإزالة ذلك الإفساد وقطع دابره عبر عدة مراحل ‏"‏ احتلوا فيها ديار اليهود، داسوها بأقدامهم، وحطموا كيان اليهود عليها، ثم دخلوها وجاسوا خلالها، وتغلغلوا فيها‏.‏‏.‏‏[‏ المرجع السابق ص 169‏]‏‏"‏

وعلى ذلك فيمكن التأريخ لبداية تنفيذ الوعد الأول بغزوة قينقاع ‏(‏شوال 2هـ ‏)‏ ولنهايته بغزوة خيبر ‏(‏ صفر 7هـ ‏)‏ ‏.‏‏.‏والتي احتوت بدورها على وعد إلهي بالنصر على اليهود ضمن الوعد العام ‏{‏وكان وعداً مفعولا‏}‏ ‏[‏سورة الإسراء ‏:‏ الآية 5‏]‏، فقد قال المفسرون‏:‏ إن خيبر كانت وعداً وعدها الله تعالى بقوله ‏{‏وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها‏}‏‏[‏ سورة الفتح ‏:‏ الآية 20‏]‏‏.‏

كما أن النبي - صلى الله عليه وسلم -بشَّر الصحابي محمد بن مسلمة -رضي الله عنه - في بداية الغزوة بقوله ‏:‏‏"‏ أبشر يا محمد بن مسلمة ‏!‏ غداً إن شاء الله تعالى يُقتلُ قاتل أخيك، وتُولِّي عَادِيةُ ‏[‏العادية ‏:‏ أول من يعدو إلى القتال من الرجَّالة والفرسان‏]‏ يهود‏"‏‏.‏

وقد تحقق ذلك الوعد - وعد خيبر - ليتحقق به الوعد الأول ويتم من خلاله إنهاء الوجود اليهودي في جزيرة العرب والتخلص من مكائدهم ومؤامراتهم ودسائسهم، وطوال أربعة عشر قرناً من الزمان لم يرتفع لهم بعدها علم، ولم تخفق لهم راية، حتى كانت معركة الخامس من حزيران عام 1967م التي سقطت فيها القدس وبسط فيها اليهود سيطرتهم على كامل التراب الفلسطيني الطاهر والجولان وسيناء خلال ستة أيام ‏.‏‏.‏ومع أنهم يحاولون إقناع أنفسهم بأنهم حصلوا على ‏"‏أرض الميعاد‏"‏ وأن القدس التي يسيطرون عليها حالياً ستكون عاصمتهم ‏"‏الأبدية‏"‏ فإن ذلك لا يغير أبداً من حقيقة أنهم لن يحتملوا في صراعهم معنا لهزيمة واحدة ‏(‏كهزيمتهم في خيبر‏)‏ وستكون نتيجتها إنهاء وجودهم كلياً من هذا الوجود وهو ما نوقن به ويخشاه كثير منهم

إن المقولات التي تتردد في زماننا هذا عن قوة اليهود واستحالة مواجهتهم ومجابهتهم وحتمية السلام معهم إنما هو قول متهافت تكذبه وقائع التاريخ وتردُّه آيات الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ففي الصراع مع اليهود بالذات وكما ذكرنا سابقاً، بَيَّن الله تعالى نتيجة المعركة معهم مسبقاً وربط ذلك بوعد منه ‏.‏‏.‏ ولا يخلف الله الميعاد‏.‏‏.‏

فكما تحقق ذلك الوعد الأول الذي تم إنجازه تماماً في غزوة خيبر فلابد أن يتحقق الوعد الآخر في صراعنا معهم على المسجد الأقصى ‏{‏فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما د خلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا‏}‏ ‏[‏سورة الإسراء ‏:‏ الآية 7‏]‏

 قتال اليهود يجلب الانتعاش الاقتصادي

لئن كانت دولنا الإسلامية تتحجج بالتكاليف الباهظة للحرب مع اليهود وتأثيرها السيئ على الاقتصاد - الذي تدهور أصلاً بسبب وجود تلك الفئة الخبيثة في قلب الأمة الإسلامية - فالواقع أن قتل اليهود وقتالهم كفيل بإنعاش الاقتصاد وجلب الرخاء على المنطقة بأسرها كما حصل مع المسلمين في خيبر ‏.‏‏.‏ فالجيش الإسلامي كان يعاني من مجاعة شديدة ونقص في العدة والعتاد حتى أنهم اضطروا إلى طبخ حُمُر أهلية سلبوها من اليهود، ولولا نزول تحريمها في تلك الساعة لأكلوها‏.‏‏.‏ لذلك فقد اشتكى نفر منهم فقالوا‏:‏ ‏"‏لقد جهدنا وما بأيدينا من شيء‏"‏ فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه قائلاً‏:‏‏"‏اللهم قد عرفت حالهم وأنْ ليست بهم قوة وأن ليس بيدي شيء أعطيهم إياه فافتح عليهم أعظم حصونها‏[‏كانت خيبر منقسمة إلى شطرين، شطر فيها خمسة حصون هي ‏:‏ حصن ناعم وحصن الصعب بن معاذ وحصن قلعة الزبير وتقع هذه الحصون الثلاثة في منطقة يقال لها النطاة، وحصن أبي مع حصن النَّزار ويقعان في منطقة تسمى بالشق ‏.‏ أما الشطر الثاني - ويعرف بالكتيبة - ففيه ثلاثة حصون فقط هي ‏:‏ حصن القموص وحصن الوطيح وحصن السلالم ‏.‏ وكان في خيبر حصون وقلاع غير هذه الثمانية إلا أنها كانت صغيرة لاتبلغ إلى درجة هذه القلاع في مناعتها وقوتها - الرحيق المختوم ص 354 - 355‏]‏ عنهم غناء وأكثرها طعاماً وَوَدَكاً ‏[‏الودك ‏:‏ دسم اللحم‏]‏‏"‏ ، فغدا الناس، ففتح الله عز وجل حصن الصعب بن معاذ ‏.‏‏.‏ وما بخيبر حصن كان أكثر طعاماً وودكاً منه ‏.‏‏.‏

وعن ذلك يروي البخاري عن ابن عمر قوله‏:‏ ‏"‏ما شبعنا حتى فتحنا خيبر‏"‏، وما رواه عن عائشة رضي الله عنها قولها‏:‏ ‏"‏لما فتحت خيبر قلنا‏:‏ الآن نشبع من التمر‏"‏، ولما رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي منحوهم إياها من النخيل حين صار لهم بخيبر مال ونخيل‏.‏

وأيامنا هذه تشهد على ذلك فجهاد الشعب الفلسطيني الذي تجسد في الانتفاضة المباركة أثمر عن انتعاش كبير للأوضاع الاقتصادية في المناطق المحتلة إبان الانتفاضة أشار إليها صاحب كتاب الانتفاضة المباركة - وقائع وأبعاد- بقوله ‏:‏ ‏"‏أثمرت الانتفاضة المباركة عن توحيد الشعب الفلسطيني، وطمس المسميات المصطنعة التي حاول البعض من خلالها تفريق الشعب إلى فئات ‏:‏ ‏"‏ضفة‏"‏، ‏"‏قطاع‏"‏، ‏"‏عرب 48‏"‏ ‏.‏ وتجسدت هذه الوحدة في تضامن جميع المدن والقرى مع بعضها البعض ‏.‏ كما أبرزت أخلاقاً وقيماً رائعةً غابت كثيراً عن مجتمعاتنا، ولكن الانتفاضة أبرزتها على أرض الواقع مثل ‏:‏ الإيثار، التعاون، الشهامة، البطولة، وغيرها، حيث تناقلت وسائل الإعلام قصصاً ووقائع تجسد المعاني المذكورة‏.‏

نذكر على سبيل المثال منها مسارعة سكان فلسطين المحتلة عام 1948م إلى نجدة إخوانهم في الضفة والقطاع بشاحنات محملة بمعدات الإغاثة والمواد التموينية‏.‏

كما هب أهل القرى بنجدة المناطق المحاصرة كمخيم بلاطة ومخيمات جباليا والشاطئ والنصيرات وغيرها ‏.‏ وضرب الناس أمثلة رائعة في التكافل، حيث بادر أصحاب المتاجر إلى فتحها أو نقلها لبيوتهم ودعوة كل صاحب حاجة لأخذ حاجته دون مقابل‏.‏ وأعفى أصحاب البيوت المؤجرة ساكنيها من الأجرة، وقام الحرفيون بتعويض متاجر المتضررين بالأقفال والأبواب وغيرها ‏[‏الانتفاضة المباركة - ص 405‏]‏‏"‏‏.‏

ولم يقتصر ذلك على أهل فلسطين بل اتسعت الدائرة لتشمل العالم العربي والإسلامي فهبت الشعوب لدعم تلك الانتفاضة ونشطت الجمعيات الخيرية في أرجاء المعمورة وأفتى العلماء بفضل التصدق وإنفاق المال لنصرة أهل فلسطين في انتفاضتهم وبجواز إخراج الزكاة في هذا الوجه، وانهالت التبرعات للمجاهدين ولأسر الشهداء والمعتقلين والمطاردين، ولسائر المشاريع الخيرية على أرض فلسطين كما لم يحدث ذلك من قبل ‏.‏‏.‏كل ذلك ببركة الجهاد في سبيل الله ضد أحفاد القردة والخنازير

 قتال اليهود يدعم قدرات الأمة العسكرية

لأن اليهود جبلوا على حب إشعـال الفتن والحروب كما قال الله عنهم ‏"‏ كلـما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسـاداً والله لا يحب المفسدين ‏[‏سورة المائدة ‏:‏ الآية 64‏]‏‏"‏، فإنهم لذلك الأمر يتميزون بمهــارتهم في صنع السلاح وتطويره وابتكار أنوع جديدة منه،كمـا أنهم لجبنـهم لا يقاتلون إلا في حصون مملوءة بالسلاح والعتاد‏.‏‏.‏دون أن يغني ذلك عنهم شيئاً ‏.‏‏.‏‏!‏‏!‏

وفي أحداث خيبر دليل واضح على أن قتال اليهود يفتح آفاقاً واسعة لتطوير القدرات العسكرية للمسلمين وإمدادهم بأسلحة متطورة لم تكن لديهم، وهي كفيلة بتحسين أساليبهم الهجومية وإمكاناتهم القتالية‏.‏‏.‏

فخلال حصار النبي - صلى الله عليه وسلم - لحصن النطاة ‏"‏جعلت نبل اليهود تخالط عسكر المسلمين وتجاوزه، وجعل المسلمون يلقطون نبلهم ثم يردونها عليهم ‏"‏،وهذه العبارة التي أوردهـا كتاب السير تدل على أن النبال التي كان يستخدمها اليهود متميزة عن غيرها‏.‏‏.‏ وأن المسلمين كانوا يقاتلون اليهود بسلاحهم ‏.‏‏.‏‏!‏‏!‏

وفي حادثة أخرى كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يطوف بأصحابه حول العسكر، فأُتي برجل من اليهود في جوف الليل، فأمر به عمر أن يضرب عنقه، فقال اليهودي ‏:‏ اذهب بي إلى نبيكم حتى أكلمه، فأمسكه عمر وانتهى به إلى باب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجده يصلي، فسمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم - كلام عمر فسلَّم ‏(‏لأهمية ذلك الأمر‏)‏ وأدخله عليه، ودخل عمر باليهودي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لليهودي‏:‏‏"‏ ما وراءك ومن أنت ‏؟‏

فقال اليهودي ‏:‏ خرجت من حصن النطاة من عند قوم ليس لهم نظام، تركتهم يتسللون من الحصن هذه الليلة ‏.‏

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ‏:‏‏"‏ فأين يذهبون ‏"‏‏؟‏

قال ‏:‏ إلى أذل مما كانوا فيه، إلى الشق، وقد رعبوا منك حتى إن أفئدتهم لتخفق، وهذا حصن اليهود فيه السلاح والطعام والودك، وفيه آلة حصونهم التي كانوا يقاتلون بها بعضهم بعضا، قد غيبوا ذلك في بيت من حصونهم تحت الأرض ‏.‏

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ‏:‏‏"‏ وما هو ‏؟‏‏"‏

قال ‏:‏ منجنيق مفككة وسلاح وسيوف وبعض آلة للحرب، فإذا دخلت الحصن غداً وأنت تدخله

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ‏:‏‏"‏ إن شاء الله ‏"‏ ‏.‏

قال اليهودي ‏:‏ إن شاء الله أوقفك عليه، فإنه لا يعرفه أحد من اليهود غيري، وأخرى ‏!‏‏!‏

قال ‏:‏‏"‏ ماهي ‏؟‏‏"‏ ‏.‏

قال ‏:‏ تستخرجه، ثم تنصب المنجنيق على حصن الشق وتدخل الرجال تحت الدبابتين فيحفرون الحصن فتفتحه من يومك وكذلك تفعل بحصن الكتيبة‏.‏

فقال عمر - رضي الله عنه - ‏:‏ يا رسول الله، إني أحسبه قد صدق ‏.‏

قال اليهودي ‏:‏ يا أبا القاسم، احقن دمي ‏.‏

قال ‏:‏‏"‏ أنت آمن ‏"‏ ‏.‏

قال ‏:‏ ولي زوجة في حصن النّزار فهبها لي ‏.‏

قال - صلى الله عليه وسلم - ‏:‏ ‏"‏ هي لك ‏"‏ ‏.‏

ودعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للإسلام فقال ‏:‏ أنظرني أياماً ‏.‏‏.‏‏.‏

فلما أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غدا بالمسلمين إلى النطاة ففتح الله الحصن واستخرج ما كان قال اليهودي فيه، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمنجنيق أن تصلح وتنصب على حصن النّزار، فلما استعصى على قوات المسلمين قذفوه بقذائف المنجنيق فأوقعوا الخلل في جدران الحصن واقتحموه ‏.‏‏.‏ وتكرر الأمر مع حصون الكتيبة، غير أنه عندما همَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بنصب المنجنيق عليهم أيقنوا بالهلكة فسألوه الصلح ‏.‏

ويتضح لنا من قراءة السيرة النبوية أن استخدام المسلمين للمنجنيق ‏(‏وقد يكون حتى مجرد معرفته ‏)‏ لم يحدث إلا خلال غزوة خيبر والغزوات التي تلتها ‏.‏‏.‏ ففي غزوة الطائف ‏(‏شوال - 8هـ ‏)‏ فرض النبي - صلى الله عليه وسلم - الحصار على حصن الطائف، ولما طالت مدة الحصار أمر بنصب المنجنيق، وقذفت به القذائف حتى وقعت شدخة في جدار الحصن فدخل نفر من المسلمين تحت دبابة ‏[‏لم تكن كدبابتنا اليوم، وإنما كانت تصنع من الخشب، وكان الناس يدخلون في جوفها ثم يدفعونها في أصل الحصن لينقبوه وهم في جوفها، أو ليدخلوا من النقبات‏]‏ ودخلوا بها إلى الجدار ليحرقوه ‏.‏‏.‏‏.‏

ولعل ما حصل في خيبر هو نفسه الذي يتكرر هذه الأيام مع المجاهدين في فلسطين، إذ أن الجنود اليهود يلجؤون إلى بيع أسلحتهم للمجاهدين طمعاً في الحصول على المال فيستخدمها المجاهدون ضدهم في حربهم وقتالهم لهم، كما أنهم يحصلون عليها أيضاً من قتلهم لليهود والاستيلاء على أسلحتهم و أسلحة المختطفين منهم ‏.‏

وإذا كان اليهود اليوم يكدسون كل أنواع السلاح ويحصلون على مساعدات عسكرية وتقنية سنوية هائلة من الولايات المتحدة الأمريكية، فما على المسلمين إلا أن يقتفوا أثر نبيهم - صلى الله عليه وسلم - في قتاله لليهود ليحصلوا على هذه الأسلحة المتطورة ويكونوا بذلك سادة الدنيا‏.‏

 قتال اليهود يجلب النصر على باقي الأعداء

كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أقبل إلى خيبر بعث محيصة بن مسعود إلى يهود فدك ليدعوهم إلى الإسلام فأبطأوا عليه ، فلما فتح الله خيبر قذف الرعب في قلوبهم فبعثوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصالحونه على النصف من فدك بمثل ما صالح عليه أهل خيبر فقبل ذلك منهم ‏.‏ فكانت فدك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالصة لأنه لم يوجف عليها بخيل ولاركاب ‏.‏ وبعد انتهائه من خيبر توجه نحو وادي القرى فاستسلمت بعد أن قتل منهم أحد عشر رجلاً وأخذها عنوة فقسمها على أصحابه وعامل أهلها على الأرض والنخل كما عامل أهل خيبر‏.‏‏.‏

ولما بلغ يهود تيماء خبر استسلام أهل خيبر ثم فدك ووادي القرى‏.‏‏.‏ لم يبدوا أي مقاومة، بل بعثوا من تلقاء أنفسهم يعرضون الصلح فقبل ذلك منهم وصالحهم على الجزية ‏.‏ فكان النصر في خيبر سبباً مباشراً في النصر على باقي اليهود في الجزيرة ‏.‏‏.‏

ومع أن جهاد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه كان موجهاً بدرجة أولى لفتح مكة وتحرير المسجد الحرام من أيدي المشركين، إلا أن ذلك لم يتسن لهم حتى تم لهم تأمين ظهورهم بالقضاء على اليهود في خيبر ‏.‏‏.‏فكان فتح مكة وما تلاه من انتصارات أحد ثمرات غزوة خيبر ‏.‏‏.‏ذلك أن انتصار النبي - صلى الله عليه وسلم -في خيبر حطم نفسية ومعنويات مشركي مكة بسقوط حليف قوي لهم خاصة وأن النبي- صلى الله عليه وسلم - أغار على غطفان في عقر دارها مباشرة بعد خيبر ‏(‏سرية بشير بن سعد‏)‏ وأصاب منهم،الأمر الذي جعل عمرو بن العاص وخالد بن الوليد - رضي الله عنهما - ينضمان إلى معسكر المسلمين مع قادة آخرين من معسكر العدو الكافر ويعلنون إسلامهم ‏.‏ وفي المقابل فقد رفع ذلك النصر من معنويات المسلمين و أشعرهم بالغبطة والسرور، وقد عبّر عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قدم عليه جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه - هو ومهاجري الحبشة بقوله ‏:‏ ‏"‏ ما أدري بأيهما أنا أسرُّ ‏؟‏ بفتح خيبر‏.‏‏.‏أم بقدوم جعفر،‏!‏‏!‏‏"‏ فلم يُخْفِ في هذا الموقف سروره بفتح خيبر ‏.‏‏.‏

كما أن القضاء على يهود خيبر كَسَر من شوكة المنافقين وأضعف كيانهم، فما ارتفع لهم صوت بعد ذلك واستراح المسلمون من شرورهم ومؤامراتهم ‏.‏

ولاشك أن عجز الأمة الإسلامية اليوم عن نصرة أبنائها في البوسنة والشيشان وسائر بقاع الأرض مردُّه إلى عجزها وتقاعسها عن استرداد قبلتها الأولى وهزيمتها أمام الذين ضربت عليهم الذِّلة والمسكنة، ولن تستطيع النهوض لنصرة أي قضية إسلامية حتى يتسنى لها القضاء على السرطان المزروع في قلبها النابض ‏"‏فلسطين‏"‏‏.‏

 لا عبرة بعدد اليهود وعدتهم وعتادهم ووقوف الرأي العام - المنافق - معهم

جاء في إمتاع الأسماع للمقريزي‏:‏‏"‏كان يهود خيبر لا يظنون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغزوهم لمنعتهم وحصونهم وسلاحهم وعددهم، كانوا يخرجون كل يوم عشرة آلاف مقاتل صفوفاً ثم يقولون ‏:‏ محمد يغزونا‍‍‍‍‍‍‍‍‏؟‏‏؟‏ هيهات هيهات ‏:‏ وكانوا يقومون كل ليلة قبل الفجر فيلبسون السلاح ويصفون الكتائب ‏"‏ وكان من كان بالمدينة من اليهود يقولون حين تجهز النبي- صلى الله عليه وسلم - إلى خيبر ‏:‏ ما أمنع والله خيبر منكم ‏!‏ لو رأيتم خيبر وحصونها ورجالها لرجعتم قبل أن تصلوا إليهم؛ حصون شامخات في ذرى الجبال، والماء فيها واتن ‏[‏واتن ‏:‏ الماء المعين الدائم‏]‏، إن بخيبر لألف دارع ‏[‏دارع‏:‏ عليه درع‏]‏، ما كانت أسدٌ وغطفان يمتنعون من العرب قاطبةً إلا بهم فأنتم تطيقون خيبر ‏؟‏‏!‏ ‏.‏

وكان رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول قد أرسل إلى يهود خيبر ‏:‏‏"‏ أن محمداً قصد قصدكم وتوجه إليكم فخذوا حذركم ولا تخافوا منه فإن عددكم وعدتكم كثيرة، وقوم محمد شرذمة قليلون، عُزَّل لا سلاح معهم إلا قليل‏"‏، وأقبل عيينة بن حصن في أربعة آلاف من غطفان مدداً ليهود ‏.‏‏.‏ فماذا كان ‏؟‏‍‍

بعث الله على غطفان الرعب، فإنهم لما كانوا ببعض الطريق سمعوا من خلفهم حساً ولغطاً فظنوا أن المسلمين أغاروا على أهاليهم وأموالهم فرجعوا وخلوا بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين خيبر،فلمَّا أُخبر كنانة بن أبي الحقيق وهو في حصن الكتيبة بانصرافهم، أسقط في يديه، وأيقن بالهلكة، وقال ‏:‏ ‏"‏ كنَّا من هؤلاء الأعراب في باطل، إنَّا سرنا فيهم فوعدونا النصر وغرّونا، ولعمري لولا ما وعدونا من نصرهم ما نابذنا محمداً بالحرب ‏"‏ ‏.‏

وهكذا استطاع ألف وأربعمائة من المؤمنين أن يقهروا أكثر من عشرة آلاف يهودي في قمة استعدادهم وتسلحهم وتحصنهم وفي عقر دارهم‏.‏‏.‏ ولم يتحرك المنافقون - بطبيعة الحال- لنصرة إخوانهم اليهود ‏!‏‏!‏‏.‏

بل إن اليهود أنفسهم خانوا بعضهم بعضاً كما أوضحنا ذلك في نقطة سابقة شرحنا فيها كيف قام ذلك اليهودي بكشف جميع أسرار اليهود من تحركاتهم ونقاط ضعفهم ومخزونهم من السلاح والعتاد ، كل ذلك في مقابل الحصول على الأمان له ولزوجه ‏.‏

لهذا فليس غريباً أن تزلزل ضربات مجاهدي كتائب القسام دولة الكيان الصهيوني على قلة عددهم وعتادهم كما لم يكن غريباً أن ترغم حركة المقاومة الإسلامية ‏"‏حماس‏"‏ أمريكا وربيبتها دولة العدو على الرضوخ والتنازل عن جميع مطالبهم ومن ثم الإفراج عن د‏.‏موسى أبو مرزوق ‏.‏‏.‏وهم صاغرون، وأن يفشل الله مؤامراتهم وينجي خالد مشعل ويخرج الشيخ أحمد ياسين من بين براثنهم ‏.‏ كما أن المقاومة اللبنانية في الجنوب اللبناني استطاعت أن تطور من نفسها وتعزز من إمكاناتها حتى أجبرت جيش العدو وأعوانه من العملاء على التقهقر والانسحاب مجرجرين أذيال الخزي والخيبة والمذلة ‏.‏

 قتال اليهود يتطلب استنفار كافة طاقات الأمة وفي جميع الظروف

لم يكن مسير الجيش الإسلامي من المدينة إلى خيبر نزهة ممتعة أو رحلة شيِّقة، بل كان محفوفاً بالمكاره والمخاطر‏.‏‏.‏ فقد خرج الجيش كما أسلفنا في شهر يونيو ‏(‏حزيران‏)‏، في وقت اشتد فيه الحر وأصاب الوباء ثمار خيبر وتسبب في إصابة الصحابة بالحمَّى حتى أنهم شكوا ذلك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأمرهم بصب الماء في الشنان وتبريدها ثم صبها عليهم بين الأذانين من الأعلى للأسفل مع ذكر اسم الله ففعلوا ذلك فكأنما نشطوا من عقال ‏.‏

بل إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما نزل بخيبر أخذته الشقيقة ‏[‏الشقيقة ‏:‏ صداع يأخذ في مقدم الرأس ونصفه وأحد جانبيه‏]‏ ‏.‏ ورغم ما أصابهم من جهد وبلاء ومشقة إلا أنهم واصلوا المسير ولم يثنهم عن ذلك شدة الجوع والعطش والمرض، بل إن النساء أبين إلا المشاركة في شرف الجهاد ضد اليهود فجئن إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل توجهه إلى خيبر مع علمهن ببعد خيبر عن المدينة وأن جوّها موبوءاً يطلبن منه المشاركة في الحملة، وعرضن عليه أن يداوين الجرحى ويعاونّ الرجال بما استطعن من السقاية وحراسة الرحل وطبخ الطعام، فوافق رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ورحب بهن وأخذهن معه ‏.‏ وبلغ عددهن عشرون امرأة وهو أكبر تجمع نسوي يجتمع في الغزو وكان منهن أم المؤمنين أم سلمة وصفية بنت عبد المطلب وأم أيمن وأم عمارة نسيبة بنت كعب‏.‏‏.‏ وغيرهن‏.‏ وبعد أن انتهت المعارك وفتح الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - خيبر وجمعت الغنائم، جعل لهن قسماً منها وخصهن ببعض الحلي والثياب والخرز‏.‏

وليس بعيداً عن ذلك ما تقوم به المرأة الفلسطينية اليوم من مشاركة مباشرة في صنوف الجهاد من خروج في المظاهرات، وإلقاء للحجارة على جنود العدو، وإيواء للمجاهدين المطاردين، وبث حب الجهاد في الأجيال، والمشاركة في ترجيح كفة الإسلاميين في الانتخابات الجامعية، كل ذلك كان له الأثر الكبير في توسيع رقعة الاستنفار والمواجهة مع اليهود تهيئة ليوم النصر الموعود عليهم بإذن الله تعالى ‏.‏

 قتل اليهود سنة مؤكدة عن النبي - صلى الله عليه وسلم

في غزوة بني قينقاع التي أعقبت غزوة بدر الكبرى، حاصر النبي -صلى الله عليه وسلم - يهود بني قينقاع في حصونهم خمس عشرة ليلة أشد الحصار حتى قذف الله في قلوبهم الرعب، ونزلوا على حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر بهم فربطوا، وكتفوا كتافاً وهيئوا للقتل ‏(‏وهو حكم الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيهم‏)‏ فما زال عبد الله بن أبي بن سلول يجادل النبي عنهم حتى أخلى سبيلهم وأجلاهم عن المدينة المنورة فخرجوا بنسائهم وذراريهم إلى أذرعات ‏[‏أذرعات ‏:‏ مدينة بأطراف الشام تجاور البلقاء وعمان ‏(‏معجم البلدان 1/130‏)‏‏]‏ فما لبثوا قليلاً حتى هلكوا ‏.‏

أما يهود بني النضير فمع بداية حصارهم حاول قائد النبالة وأمهرهم وهو عزوك اليهودي اغتيال رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عشرة معه، فكمن له عليّ -رضي الله عنه- وقتله ‏.‏ ولم يكتف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتله بل أرسل أبا دجانة وسهل بن حنيف في عشرة لاحقوا الكتيبة اليهودية فقتلوها عن بكرة أبيها وأتوا برؤوسهم فطرحت في الآبار، فلم يجرؤ اليهود بعد ذلك على مغادرة حصونهم أو رمي نبالهم وانتهى الحصار بجلائهم عن المدينة‏.‏‏.‏

ولأن اليهود لا يستطيعون التخلي عن طباعهم الخبيثة فإن يهود بني قريظة لم يتعظوا مما حلَّ بإخوانهم فخانوا وغدروا، فسَرَتْ عليهم سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - مع من قبلهم ألا وهي القتل، بأن أمر جميع المسلمين بالتوجه إلى حصونهم قائلاً‏:‏‏"‏من كان سامعاً مطيعاً فلا يُصَلِينَّ العصر إلا في بني قريظة‏"‏ وحاصرهم حتى نزلوا على حكمه، وحكَّم فيهم سعد بن معاذ -رضي الله عنه- وكان قد دعا الله تعالى عندما أصيب في غزوة الأحزاب أن يشفي صدره منهم بقوله ‏:‏‏"‏ اللهم لاتمتني حتى تقر عيني من بني قريظة ‏"‏، وهو الذي حكم فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات ‏"‏أن تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى الذراري والنساء‏"‏ ‏.‏‏.‏ ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - حفر لهم خنادق في سوق المدينة وضرب أعناقهم في تلك الخنادق، وكان منهم حيي بن أخطب وكعب بن أسد إضافة لستمائة أو سبعمائة ‏(‏والمكثر لهم من كُتَّاب السير يقول كانوا بين الثمانمائة والتسعمائة ‏!‏‏!‏‏)‏ ‏.‏

ولم يقتصر قتل النبي لليهود على تلك العمليات العسكرية الكبرى فقد بعث بفرقٍ خاصة ‏(‏ أشبه ما تكون بفرق الكوماندوز ‏)‏ لتنفيذ عمليات اغتيال لزعماء اليهود، كقتل أبي عَفَكْ اليهودي على يد سالم بن عوف الأنصاري، وقتل كعب بن الأشرف اليهودي الذي قتلته سرية محمد بن مسلمة، وكقتل ابن سنينة اليهودي على يد مُحَيِّصَةَ بن مسعود والذي قام بقتله بعدما سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول صبيحة مقتل كعب بن الأشرف ‏:‏ ‏"‏ من ظَفِرْتم به من رجال يهود فاقتلوه ‏"‏ وهو إعلان واضح لا لبس فيه ولا غموض‏.‏‏.‏وقد كنا أوردنا خبر مقتل أبي رافع سلاَّم بن أبي الحقيق على يد عبد الله بن عتيك ‏.‏‏.‏

فإذا علمنا أن حصيلة غزوة خيبر كانت قتل ثلاث وتسعين يهودياً‏.‏‏.‏ فإننا إذا أضفنا أعداد قتلى اليهود في سائر الغزوات السابقة، فسنجد أن ما قتلهم النبي - صلى الله عليه وسلم - من اليهود هو أضعاف أضعاف ما قتلهم من المشركين طوال حياته‏.‏‏.‏وهو أمر هام جداً يجدر الوقوف عنده والالتفات إليه والإشارة إلى مدلولاته الكبيرة لما يكشفه لنا عن سنة نبوية راسخة في التعامل مع يهود إذا غدروا، ألا وهي القتل والذبح والاغتيال ولئن كان النبي صلى الله عليه وسلم قد طبق هذه السنة عملياً خلال حياته وأمر أصحابه وأتباعه بتطبيقها، فقد بين أن مصير اليهود سينتهي بالقتل التام والإبادة الكاملة والفناء الماحق، وفي ذلك إعلامٌ لأمته بضرورة عدم التأسف على هذه الفئة الخبيثة التي يتأذى من وجودها كل شيء حتى الحجر والشجر فينطقان -بإذن الله- مطالبين بتطبيق سنة القتل عليها،كما أن الساعة لن تقوم حتى تفنى تلك الفئة وتبيد كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث ‏"‏لاتقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر ،فيقول الحجر والشجر‏:‏ يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد، فإنه من شجر اليهود‏"‏ ‏.‏ ولله در يحيى عياش وعماد عقل وإخوانهم ‏.‏‏.‏ فقد وعوا بحق هذه السنة وطبقوها أجمل تطبيق ‏.‏‏.‏‏!‏

 القتال مع اليهود يفتح باباً للشهـادة

والشهادة لا ينالها إلا من اصطفاه الله تعالى وخصه بهذه المنزلة العالية‏.‏‏.‏وقد كانت حصيلة شهداء المسلمين في تلك الغزوة ستة عشر شهيداً ‏(‏وقيل ثمانية عشر ‏)‏،منهم عامر بن الأكوع الذي استشهد بعد أن لقي يهودياً فضربه بسيفه فقطع رجله ولكن سيفه رجع عليه فنَزَف فمات ‏.‏ فقال أسيد بن حضير ‏:‏ حبط عمله ‏؟‏ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏‏"‏ كذب من قال ذلك إن له لأجرين إنه جاهد مجاهد وإنه ليعوم في الجنة عوم الدعموص ‏[‏الدعموص ‏:‏ دويبة تغوص في الماء غوصاً سهلاً ‏(‏إمتاع الأسماع‏)‏‏]‏‏"‏‏.‏ وقد استدل البعض بهذه الحادثة على جواز العمليات الاستشهادية التي يقتل فيها المجاهد نفسه بسلاحه ‏[‏منهم الدكتور عجيل جاسم النشمي عميد كلية الشريعة بجامعة الكويت‏]‏‏.‏ وقد كان من خبر عامر ما رواه الشيخان وغيرهما عن سلمة بن الأكوع قال‏:‏ خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فسرنا ليلاً ، فقال رجل من القوم لعامر‏:‏ يا عامر ألا تسمعنا من هنيهاتك‏؟‏ -وكان عامر رجلاً شاعراً - فنزل يحدو بالقوم يقول‏:‏

اللهم لولا أنت ما اهتدينا ** ولا تصدقنا ولا صلينا

فاغفر فداءً لك ما اتقينا ** وثبِّت الأقدام إن لاقينا

وألقِيَنْ سكينةً علينا ** إنا إذا صيح بنا أبَيْنا

وبالصِّياح عَوَّلوا علينا

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏من هذا السائق ‏؟‏ قالوا‏:‏ عامر بن الأكوع‏.‏ قال ‏:‏يرحمه الله ‏.‏ قال رجل من القوم ‏:‏ وجبت يا نبي الله ،لولا متعتنا به‏.‏ وكانوا يعرفون أنه صلى الله عليه وسلم لا يستغفر لإنسان إلا استشهد‏.‏ وكان ممن حظي بالشهادة أيضاً محمود بن مسلمة الذي قاتل مع المسلمين في حصارهم للنطاة، وكان يوماً صائفاً شديد الحر، فلما اشتد الحر على محمود وعليه أداته، جلس تحت حصن ناعم يبتغي فيئه، وهو أول حصن بدأ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يكن يظن محمود أن فيه أحداً من المقاتلة، إنما ظن أن فيه أثاثاً ومتاعاً، فدلّى عليه مرحب اليهودي رحىً فأصاب رأسه، فهشمت البيضة رأسه حتى سقطت جلدة جبينه على وجهه، وخرجت عينه، وأُتي به رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فرَدَّ الجلدة وعصبها بثوب فرجعت كما كانت‏.‏‏.‏ولمَّا قتل مرحب بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم - جعيل بن سراقة الغفاري يبشر محمود بن مسلمة بقتل قاتله ‏.‏ فسُرَّ بذلك، ومات في اليوم الذي قتل فيه مرحب، بعد ثلاث من سقوط الرحى عليه ‏.‏

وفي تلك الغزوة أيضاً جاء عبد حبشي يرعى غنماً في ملك عامر اليهودي فأقبل بالغنم حتى أسلم ورد الغنم لصاحبها وقاتل حتى قتل شهيداً ‏.‏‏.‏ وماصلى صلاة قط ‏!‏‏!‏ فأُتي به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعرض عنه فقالوا ‏:‏ يا رسول الله لم أعرضت عنه ‏؟‏ فقال ‏:‏‏"‏ إن معه الآن زوجتيه من الحور العين‏"‏ وعلق ابن إسحاق على تلك الحادثة بقوله أخبرني عبد الله بن أبي نجيح أنه ذكر له أن الشهيد إذا ما أصيب تدلت له زوجتاه من الحور العين تنفضان التراب عن وجهه وتقولان‏:‏ ترَّب الله وجه من ترَّبك وقتل من قتلك ‏"‏ ‏.‏

فما بال الأمة تضن بشبابها عن المسابقة لجنات عرضها السماوات والأرض‏؟‏‏!‏‏.‏‏.‏وما ضر القسام والحسيني و النمروطي و محيي الدين الشريف والأخوين عوض الله أن يصعدوا في أعراس للشهادة ‏.‏‏.‏ ولا أروع ‏؟‏‏!‏‏.‏

 قتال اليهود يتطلب تجرداً وترفعاً عن زخارف الدنيا

مع أنه أعظم قائد ومعه أعظم جيش في التاريخ إلا أن ذلك لم يزده - صلى الله عليه وسلم - هو وصحابته إلا تواضعاً وزهداً في الدنيا ‏.‏‏.‏ فالمقريزي يروي لنا أن راية النبي - صلى الله عليه وسلم -كانت سوداء تدعى العقاب من برد لعائشة رضي الله عنها ‏؟‏‏؟‏

كما لم يسمح لأحد أن يستغل نفوذه وسلطته في أن يخص نفسه بشيء من دون المسلمين مهما كان ذلك الشيء تافهاً ، فهذا منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلن ‏:‏‏"‏ أدوا الخياط و المخيط فإن الغلول عار و شنار ونار يوم القيامة‏"‏‏.‏ وتبعاً لذلك فقد امتنع عن الصلاة على رجل غلَّ خرزاً لا يساوي درهمين ‍‏؟‏‏؟‏ وعندما أصيب غلام له بسهم طائش قال أصحابه‏:‏ هنيئاً له الجنة ‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏كلا والذي نفسي بيده، إن الشملة ‏[‏الشملة ‏:‏ كساء غليظ يلتحف به‏]‏ التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه ناراً ‏"‏‏.‏ وفي تلك الغزوة لم يسمح للراعي الذي أسلم أن يقاتل معهم حتى يرد الغنم لصاحبها اليهودي ذلك أنه لماَّ أسلم قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ إني كنت أجيراً لصاحب هذه الغنم، وهي أمانة عندي، فكيف أصنع بها ‏؟‏ فقال له ‏:‏ ‏"‏ أخرجها من العسكر ثم صِحْ بها وارمها بحصيات،فإن الله عز وجلّ سيؤدي عنك أمانتك ‏"‏‏.‏ ففعل ذلك، فخرجت الغنم مجتمعة كأن سائقاً يسوقها حتى دخلت الحصن ‏.‏

فإذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقسم على من غلَّ خرزاً وشملة أنه في النار‏.‏‏.‏ فماذا يقول عمن يتخوضون في أموال غيرهم بغير حق وينفقونها في إقامة كازينوهات القمار المحرمة والملاهي الفاجرة ‏؟‏

إننا في صراعنا الحالي مع اليهود نواجه عدواً لاتحكمه أية أخلاقيات ويستمرئ فعل أي شئ في سبيل تحقيق مآربه واستخدام كافة الوسائل لدعم كيانه الخبيث خاصة مع سيطرتهم وتحكمهم بالمال والإعلام ‏.‏ وعليه، فلن ينجو من حبائلهم ويفلت من مصائدهم إلا من استمسك بحبل الله المتين وترفع عن زخارف الدنيا وسفاسفها وتحصن من مكائدهم وشرورهم، وإلا فإنه سيقع تحت تأثير مال و فتيات وإغراء اليهود وإغوائهم وإسقاطهم وهو مالا يمكن حدوثه أبداً مع من ينهج نهج النبي صلى الله عليه وسلم في صراعه مع اليهود‏.‏

 قتال اليهود يتطلب رجالاً أشداء

وصف الله تعالى عباده الذين يبعثهم للقضاء على العلو اليهودي الأول بأنهم ‏"‏أولي بأس شديد‏"‏، وقد تحقق ذلك الوصف بالنبي - صلى الله عليه وسلم - الذي قال ‏"‏ نصرت بالرعب مسيرة شهر ‏"‏ ‏[‏رواه الشيخان‏]‏ وبصحابته الكرام الذين واجهوا اليهود ببأسهم وقوتهم المادية والمعنوية، فزلزلوا حصونهم وزعزعوا أركانهم و كسروا شوكتهم وأجبروهم على الاستسلام والخضوع لهم في جميع المعارك التي خاضوها معهم‏.‏

وفي غزوة خيبر برزت هذه الصفة واضحة جلية من بداية الغزوة إلى نهايتها‏.‏‏.‏ فقدكان شعار المسلمين في تلك الغزوة ‏:‏‏"‏يا منصور أَمِتْ‏"‏ ‏[‏أي يا أيها المنتصر أقتل من أمامك من أعداء الله‏]‏ وعند أول مواجهة مع اليهود قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏‏"‏الله أكبر ‏!‏ خربت خيبر ‏!‏ إنَّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين‏"‏،وفي تلك الغزوة دنا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- من حصونهم فاطلع يهودي من رأس حصن ناعم وقال ‏:‏ من أنت ‏؟‏ فقال‏:‏ أنا علي بن أبي طالب ‏.‏ فقال اليهودي ‏:‏ علوتم وما أنزل على موسى ‏.‏ ولما خرج مرحب البطل اليهودي الذي كان يعد بالألف وهو يخطر بسيفه يطلب المبارزة‏.‏‏.‏ برز له علي- رضي الله عنه- فحمل على علي وضربه فاتقاه بالترس فأطن ترس علي فتناول باباً عند الحصن فترس به عن نفسه فلم يزل في يده حتى فتح الله عليه بالحصن وقتل مرحب ‏.‏ قال أبو رافع لقد رأيتني في نفر مع سبعة أنا ثامنهم نجهد أن نقلب ذلك الباب فما استطعنا أن نقلبه‏.‏‏.‏‏[‏ قال المقريزي ‏:‏ زعم بعضهم أن حمل عليّ باب خيبر لاأصل له، وأنه إنما يروى عن رعاع الناس‏.‏ وهو ليس كذلك فقد أخرجه ابن إسحاق في سيرته عن أبي رافع، وأن سبعة لم يقلبوه‏.‏ وأخرجه الحاكم من طرق منها ‏:‏عن أبي علي الحافظ، حدثنا الهيثم بن خلف الدوري، حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري ، حدثنا المطلب بن زياد، حدثنا ليث بن أبي سليم، حدثنا أبوجعفر محمد بن علي بن الحسين، عن جابر أن علياً حمل الباب يوم خيبر وأنه جُرِّب بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلاً‏]‏‏.‏

ولعل مما يجدد الأمل في النفوس تلك الصور البطولية الرائعة التي شهدناها على الأرض المباركة إبان الانتفاضة وما بعدها والتي واجه فيها أطفال بعمر الزهور جيش الاحتلال المدجج بأحدث أنواع الأسلحة وأشدها فتكاً، واجهوه بصدور عزلاء إلا من قلوب مفعمة بالإيمان وحب الجهاد في سبيل الله، ولم يثنهم سقوط الشهداء والجرحى واعتقال الآلاف ولجوء العدو الصهيوني لاستخدام أساليب وحشية لقمعهم والتنكيل بهم ‏.‏

منذ ذلك الحين ونحن نشهد بطولات فريدة لاتصدر إلا عن رجال أشداء قرءوا سيرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم - فعملوا على محاكاتها والسير على نهجها‏.‏‏.‏كان منهم المجاهد البطل عبد الهادي غنيم الذي قام في 6/7/1989م بقلب حافلة صهيونية في وادٍ سحيق وقتل بذلك العمل البطولي 16صهيونياَ وجرح 25 آخرين، وأصدرت إحدى محاكم العدو عليه حكماً بالسجن 18 مؤبداً بالإضافة إلى 480 سنة أخرى ‏!‏‏!‏ وهو ما يعبر عن شدة غيظهم من فعلته‏.‏

ومن أولئك الأبطال الأشداء المجاهدين حاتم المحتسب وأنور مطاوع اللذين حوصرا في بيت مهجور في أحد أودية مدينة الخليل مع ستة عشر مجاهداً من كتائب الشهيد عز الدين القسّام، فواجها وحدهما ما يقارب من ألفي جندي يهودي بكامل أسلحتهم وعتادهم بما في ذلك الطائرات المروحية والدبابات والكشافات المضيئة والصواريخ، وقاما بإشغالهم لعدة ساعات تمكن فيها الستة عشر مجاهداً من الإفلات من الحصار المضروب حولهم والنجاة من الطوق العسكري، ورغم الترسانة الضخمة من الأسلحة والعتاد والجنود إلا أن العدو لم يتمكن طوال عشر ساعات من البطلين اللذين أوقعا ثلاثة قتلى وأحد عشر جريحاً على الأقل في صفوف العدو الذي لجأ إلى استخدام الصواريخ المضادة للدبابات لتفجير المنطقة بكاملها حيث استشهد البطلان ‏.‏‏.‏

أما الشهيد عماد عقل فقد تسبب لوحده في قتل اثني عشر جندياً صهيونياً خلال العمليات التي خاضها ضدهم وجعلت الهالك رابين يقول ‏:‏ ليتني أقوم من نومي لأجد قطاع غزة ‏(‏عرين البطل عماد‏)‏ قد ابتلعه البحر، بل إنه اضطر للذهاب بنفسه إلى أهل عماد ليساومهم على خروج عماد من فلسطين بسلام في رحلة نفي لمدة ثلاثة أعوام، فما كان من عماد إلا أن قال قولته المشهورة ‏:‏‏"‏ ماذا تريد يارابين أن تفعل ‏؟‏ هل تقدر أن تمنع شاباً يريد الموت في سبيل الله ‏؟‏ سأبقى في فلسطين حتى أنال الشهادة وأدخل الجنة ‏"‏‏.‏

وهو القائل ‏"‏ سنحاربهم ‏(‏ جنود الاحتلال ‏)‏ كما نحارب الشيطان وسيكون زادنا في المعركة حب الموت في سبيل الله وليس حب الحياة ‏.‏‏.‏هيهات أن يغلق باب الجهاد فهو عبادة، الجهاد هو كالصلاة لنا نأكل ونشرب ونجاهد ‏"‏‏.‏ ولهذا لم يكن غريباً أن يقول عنه والده ‏:‏‏"‏ إنني فخور به وكفاني شرفاً أن أكون والده ‏.‏‏.‏‏"‏

أما أولئك الاستشهاديون فقد أذهلوا العالم كله بإقدامهم وشجاعتهم وهم يواجهون الموت المحقق طمعاً في الشهادة والإثخان في الأعداء، حتى قال أحد قادة اليهود عنهم ‏:‏‏"‏ إن مشكلتنا هي بالأساس مع أولئك الشباب المستعدين لجعل أنفسهم قنابل حية، فمن الصعب جداً مواجهة هذه النوعية من الأشخاص ‏"‏ ‏.‏‏.‏ وهاهو الشهيد يحيى عياش يحيل حياتهم جحيماً بالعمليات الاستشهادية التي خطط لها والتي أسفرت عن قتل ما لايقل عن تسعين قتيلاً وجرح ما لايقل عن أربعمائة وتسعين جريحاً إضافة إلى خسائر مادية فادحة جعلت المحلل السياسي في تلفزيون العدو ايهود يعاري يقول ‏:‏‏"‏ منذ بداية الصراع بيننا وبين الفلسطينيين لم يظهر أي شخص أيديه ملطخة بالدماء اليهودية مثل يحيى عياش‏"‏‏.‏‏.‏وذاك يهودي آخر يقول عنه ‏:‏‏"‏ لقد تحول المهندس لأكثر من عامين إلى كابوس يسيطر على أجهزة الأمن الإسرائيلي وتمكن خلالها من نثر عشرات القتلى الإسرائيليين في طريقه ‏.‏‏.‏‏"‏ ‏.‏

بل إن الأخذ بأسباب القوة في أي بقعة إسلامية يثير الرعب في أوصال اليهود ومن ذلك ما صرح به مؤخراً يهشوع ساغيه -أحد كبار قادة العدو الصهيوني الذين تولوا رئاسة جهاز الاستخبارات العسكرية- بقوله ‏:‏‏"‏يحدث شيء مفزع ‏.‏‏.‏ يحارب المقاتلون الشيشان ويعدون أنهم سيتوجهون لتحرير القدس بعد ذلك ‏!‏‏!‏‏"‏ ‏.‏

إنها لغة القوة التي لايصلح التخاطب إلا بها مع أحفاد القردة والخنازير ‏.‏

 التعذيب لا يكون إلا لليهود

لم يذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بتعذيب أسير له إلا ما أورده ابن إسحاق من أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - للزبير بأن يعذب الزعيم اليهودي كنانة بن الربيع لخيانته العهد وإخفائه كنوز بني النضير التي كانت مخبأة عنده وكان قد قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - حين صالحه ‏:‏ ‏"‏برئت منكم ذمة الله وذمة رسوله إن كتمتموني شيئاً ‏"‏، فقال كنانة ‏:‏ يا أبا القاسم ‏!‏ أنفقناه في حربنا فلم يبق منه شيء ‏!‏ وأكد الأيمان، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏"‏برئت منكم ذمة الله وذمة رسوله إن كان عندكم ‏"‏‏؟‏ قال‏:‏ نعم ‏!‏ ثم قال - صلى الله عليه وسلم -‏:‏‏"‏ وكل ما أخذت من أموالكم وأصبتُ من دمائكم فهو حلٌّ لي ولاذمة لكم‏"‏ ‏؟‏ قال ‏:‏ نعم ‏!‏ وأشهد عليه عدداً من المسلمين ومن يهود ‏.‏ ولما سأله عن كنوز بني النضير جحد أن يعرف مكانها فسأل النبي صلى الله عليه وسلم سعية بن سلام ابن أبي الحقيق عنها فدله على خربة،قال إنه رأى كنانة يطوف بها كل غداة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكنانة ‏:‏ ‏"‏أرأيت إن وجدناه عندك أأقتلك‏"‏ ‏؟‏ قال ‏:‏ نعم، فبعث عليه السلام الزبير في نفر مع سعية حتى حفر، فإذا كنز في مَسْكِ ‏[‏المَسْك ‏:‏ الجلد يكون مسلاخ الدابة أو الغنم‏]‏ جمل فيه حلي ‏.‏ فأُتي به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدفعه إلى الزبير وقال ‏:‏ ‏"‏ عذبه حتى تستأصل ما عنده ‏"‏، فكان الزبير يقدح بزند في صدره حتى جاءه بمال ثم دفعه إلى محمد بن مسلمة فضرب عنقه بمحمود بن مسلمة الذي قتله اليهود في بداية الغزوة ، وعذب ابن أبي الحقيق الآخر، ثم دُفِع إلى ولاة بشر بن البراء ‏[‏قتله اليهود بالسم‏]‏ فقُتل به وقيل ضَرب عنقه ‏.‏

فالملاحقة والتهديد والاعتقال والتعذيب لا يكون إلا لليهود‏.‏‏.‏ أما أن يزج بالشباب في السجون ويهانوا ويهددوا ويعذبوا لا لشيء إلا أنهم يتمسكون بخيار الجهاد في سبيل الله لتحرير الأرض المقدسة من أحفاد القردة والخنازير فإن ذلك لا يمكن أن يصدر إلا عمن باعوا أنفسهم ليهود ونصبوا أنفسهم وكلاء لهم علينا‏.‏

 لا تفاوض مع اليهود إلا من منطلق القوة

في فترة غياب الوعي عن قطاعات كبيرة من الأمة، استطاع اليهود بخبثهم ودهائهم وسطوة أعوانهم وعملائهم أن يفرضوا واقعاً شاذّا لم يسبق للأمة أن مرت بمثله من قبل‏.‏‏.‏ علا فيه شأن اليهود وقويت فيه شوكتهم وازداد فسادهم وإفسادهم وأصبح العالم أجمع حريصاً على خطب ودهم والتزلف إليهم، بمن فيهم جموع المنتسبين إلى أمة الإسلام ‏.‏‏.‏

وصاحب هذه الفترة بروز دعوات مضللة للتطبيع مع اليهود والتعايش معهم كثمرة من ثمار عملية التسوية التي حاول أصحابها الترويج لها وتسويقها على الشعوب الإسلامية استناداً لنصوص شرعية اجتزئت فقرات منها عن نصوص كلية وتم تأويل معانيها بما لا يحتمل التأويل ‏.‏‏.‏فتصدرت آية ‏{‏وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله‏}‏ ‏[‏سورة الأنفال ‏:‏ الآية 61‏]‏ خطاباتهم وكتاباتهم وإذاعاتهم، وتم التغاضي عن آية سبقتها ‏{‏وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرون من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم‏}‏ ‏[‏سورة الأنفال ‏:‏ الآية 60‏]‏ وآية تلتها ‏{‏يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال‏}‏ ‏[‏‏[‏الآية 65‏]‏‏]‏، كما تم التغاضي عن معناها الحقيقي وأن كلمة ‏"‏جنحوا ‏"‏ تعني مالوا لطلب السلم والصلح من موقف الضعف والذلة كما في آية ‏{‏واخفض لهما جناح الذل من الرحمة‏}‏ ‏[‏سورة الإسراء ‏:‏ الآية 24‏]‏ وآية ‏{‏واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين‏}‏ ‏[‏سورة الشعراء ‏:‏ الآية 215‏]‏‏.‏‏.‏

وفي غزوة خيبر - كما في أحداث السيرة النبوية بشكل عام - نجد تطبيقاً عملياً للطريقة المثلى والأسلوب الأسلم في كيفية التفاوض مع اليهود، والذي يحقق معنى الآية ‏{‏فلا تهنوا و تدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم‏}‏ ‏[‏سورة محمد ‏:‏ الآية 35‏]‏ ‏"‏ ‏.‏‏.‏وقد أوردنا طرفاً من تلك المفاوضات التي تمت بناءً على رغبة اليهود أنفسهم طلباً منهم للاستسلام والخضوع التام لحكم الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ومن ذلك ما فعله كنانة ابن أبي الحقيق لدى حصار النبي -صلى الله عليه وسلم- لحصون الكتيبة ونصبه المنجنيق عليها تمهيداً لضربها، حيث أرسل كنانة رجلاً من اليهود يقال له شماخ ليستأذن له من الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالنُّزول ليكلمه، فأذن له بذلك وصالحه على حقن دماء من في حصونهم من المقاتلين ، وترك الذرية لهم، وأن يخرجوا من خيبر وأرضها بذراريهم ويخلوا ما بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين ما كان لهم من مال أو أرض أو سلاح أو بز إلا ثوباً على ظهر إنسان ‏!‏‏!‏ وعلى ألا يكتموه شيئاً ‏.‏

فهل من الإنصاف والعدل مقارنة تلك المفاوضات بالمفاوضات الجارية هذه الأيام بين العرب واليهود والتي يتم خلالها التنازل عن كل شيء لليهود - تقريباً - مقابل فتات يمنون بها علينا ‏؟‏‏!‏

وهل يعقل أن نقارن بين اللهجة التفاوضية الاحتفائية والاحتفالية التي يقابل بها يهود اليوم والتي تصل إلى درجة التعظيم والتبجيل فضلاً عن مؤاخاتهم والبكاء على الهالكين منهم، ومع تلك اللهجة التي خاطبهم بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو وأصحابه في مفاوضاته معهم كتلك التي قال لهم فيها _ وهو مشرف على حصون بني قريظة - بعدما وصل إليه أنهم شتموه ‏:‏‏"‏ يا إخوان القردة، هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته ‏؟‏‏[‏ السيرة النبوية لابن هشام ‏(‏244-245‏)‏، ووردت في إمتاع الأسماع ‏(‏ص 243‏)‏ بنص‏:‏ ‏"‏ يا إخوة القردة والخنازير وعبدة الطواغيت، أتشتمونني‏؟‏‏]‏ ‏"‏ ‏.‏ وقول أسيد بن حضير لهم ‏:‏‏"‏ يا أعداء الله ‏!‏ لن نبرح حصنكم حتى تموتوا جوعاً، إنما أنتم بمنزلة ثعلب في جُحر ‏.‏‏"‏ ولأنه كان من حلفائهم سابقاً فقد قالوا له ‏:‏ ‏"‏ يا ابن الحضير ‏!‏ نحن مواليك دون الخزرج ‏!‏‏"‏ وخاروا ‏.‏‏.‏فقال ‏:‏‏"‏ لاعهد بيني وبينكم ولاإلّ‏"‏ ‏[‏الإلّ ‏:‏ العهد والحلف والقرابة والجوار‏]‏ ‏"‏ ‏.‏

وعقب الانتهاء من غزوة خيبر جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن رواحة خارصاً ‏[‏خارصاً ‏:‏ مقدرا ومقسما‏]‏ لثمار خيبر، فجعل يوزع الثمر بين اليهود والمسلمين مناصفة،‏"‏ وكان عبد الله بن رواحة يأتيهم في كل عامٍ فيخْرصُها عليهم ، ثم يضمِّنُهُمُ الشَّطْرَ ، فشكوا إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم شِدَّةَ حرصه ، وأرادوا أن يرْشُوهُ ، فقال عبد الله‏:‏ تطعمونني السُّحْتَ ، والله لقد جئتكم من أحبِّ الناس إليَّ ، ولأنتم أبْغَضُ إليَّ من عدَّتِكُمْ من القِردَةِ والخنازير ، ولا يحْمِلُني بُغضي إياكم على أن لا أعدل عليكم، فقالُوا ‏:‏ بهذا قامت السماوات والأرض ‏[‏أخرجه البخاري ‏.‏ وأورد ذلك ابن هشام في سيرته برواية ‏"‏ يا إخوة القردة والخنازير، والله ما أحد على ظهر الأرض أبغض إليَّ منكم وما يدفعني بغضي لكم أن أنقصكم تمرة واحدة ‏"‏‏]‏‏.‏

وهذا هو المجاهد عمار الزبن الذي حكم عليه الصهاينة بالسجن 26 مؤبداً و25 عاماً فوقها بتهمة التخطيط لعمليات تفجير استشهادية يقف في قاعة المحكمة شامخاً رافع الرأس مستعلياً بدينه على قضاته وسجانيه قائلاً‏:‏‏"‏أنا لست مجرماً، أنا مسلم وأفتخر بأنني مسلم وهذا الكتاب هو كتابي - أخرج مصحفاً من جيبه ورفعه في المحكمة -وأمامي محتل قتل الآلاف وجرح عشرات الآلاف من أبناء شعبي وخمسة ملايين منهم خارج فلسطين والآلاف داخل السجون فالواجب كوني انساناً مسلماً أن أسحق هذا العدو‏.‏‏.‏المقاومة حق شرعي وقيامنا بها مبعث فخر ولاغضاضة من ذلك ‏.‏‏.‏‏"‏ ‏.‏

 اليهود خدم وعبيد لنا وأرضهم للمسلمين

كانت نتيجة غزوة خيبر أن آلت أرضهم وديارهم للمسلمين‏.‏‏.‏وعندما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجليهم عنها قالوا له ‏:‏‏"‏ يا محمد دعنا نكون في هذه الأرض نصلحها ونقوم عليها، فنحن أعلم بها منكم‏"‏، ولم يكن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -ولا لأصحابه غلمان يقومون عليها ولم يكن لهم فراغ لذلك ‏.‏‏.‏فقبل لهم أن يبقوا في خيبر يعملون فيها ويزرعونها ولهم شطر ما يخرج منها وقال لهم ‏:‏ ‏"‏على أنا إن شئنا أن نخرجكم أخرجناكم‏"‏ ،وقد أخرجهم فعلاً عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته لقتلهم أحد الأنصار‏.‏

وهكذا يجب أن نعامل اليهود على مدى الزمان ولا ينبغي أبداً أن تنقلب الآية فيتحكم اليهود بنا وبأرضنا ومقدساتنا‏.‏‏.‏ يأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون‏.‏

وقد أوردنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لزعيمهم كنانة ‏"‏وكل ما أخذت من أموالكم وأصبت من دمائكم فهو حل لي ولاذمة لكم ‏"‏ وأشهد المسلمين واليهود على ذلك ‏.‏ كما أنه - صلى الله عليه وسلم - سبى ابنة زعيمهم صفية بنت حيي بن أخطب التي كانت تحت كنانة بن أبي الحقيق في هذه الغزوة ثم أعتقها وتزوجها بعد أن أعلنت إسلامها وفي ذلك إشارة واضحة على أن هزيمتهم كانت ساحقة وأنهم أصبحوا - رجالاً ونساءً وأطفالاً - ملكاً للمسلمين ‏.‏

فإذا كان ذلك حكم الأرض التي كانت ملكاً لهم وعاشوا فيها ودافعوا عنها وقاتلوا من أجلها، أنها آلت للمسلمين ودخلت في حوزتهم وملكهم والذي لايجوز التفريط به أو التنازل عن جزء منه‏.‏‏.‏ فكيف بالأرض المقدسة، أرض الإسراء والمعراج بمسجدها الأقصى المبارك ‏؟‏ الأرض التي خضَّب ثراها دماء الآلاف من الصحابة والتابعين والصالحين من بعدهم وتنعمت بحكم المسلمين لها أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان ‏.‏‏.‏كل ذلك يجعل التنازل عن ذرة رمل واحدة من ترابها الطهور كبيرة لاتغتفر وجريمة لاتمحى، مع الأخذ بعين الاعتبار أن أحداً من البشر كائناً من كان لايملك حق ذلك التنازل ولو كان ملكاً أو رئيساً أو منظمة أو حزباً أو أي شيء كان ‏.‏

 ثأرنا من اليهود لا يمكن أن يمحى مع مرور الزمان

لئن كان دافعنا لحرب اليهود هذه الأيام اغتصابهم لأرضنا ومقدساتنا في فلسطين فإن قيامهم بوضع السم لنبينا مع نهاية غزوة خيبر كانت جريمة لا تغتفر ولا يمكن أن نهادن مرتكبيها أبد الدهر، وتفاصيلها بأن ‏"‏زينب ابنة الحارث اليهودية أخت مرحب ذبحت عَنْزاً وطبختها وسمَّتها، فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المغرب وانصرف إلى منزله، وجد زينب عند رحله فقدمت له الشاة هدية فأمر بها فوضعت بين يديه وتقدم هو وأصحابه إليها ليأكلوا فتناول الذراع، وتناول بشر بن البراء عظماً وانتهس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم ازدرد، وقال كفوا أيديكم فإن هذه الذراع تخبرني أنها مسمومة ‏!‏ فقال بشر بن البراء ‏:‏ والله يا رسول الله وجدت ذلك من أكلتي التي أكلت، فما منعني أن ألفظها إلا كراهية أنغص عليك طعامك ‏.‏فلم يَرِم ْ‏[‏لم يرم ‏:‏ لم يفارق مكانه ولم يبرحه‏]‏ بشر من مكانه حتى تغير ثم مات ‏.‏ ودعا رسول الله زينب وقال ‏:‏ سممت الذراع ‏؟‏ قالت ‏:‏ من أخبرك ‏؟‏ قال ‏:‏ الذراع ‏!‏ قالت ‏:‏ نعم ‏!‏ قال وما حملك على ذلك ‏؟‏ قالت ‏:‏ قتلت أبي وعمي وزوجي، ونلت من قومي ما نلت، فقلت ‏:‏ إن كان نبياً فستخبره الشاة وإن كان ملكاً استرحنا منه ‏!‏فقيل أمر بها فقتلت ثم صلبت وقيل عفا عنها، وقال ابن سحنون ‏:‏ أجمع أهل الحديث أن رسول الله قتلها‏"‏ ‏[‏إمتاع الأسماع ص 321‏]‏‏.‏ ويؤخذ من ذلك جواز قتل اليهوديات المشاركات في الحرب ‏.‏كما وأن عدم لفظ بشر بن البراء للسم مع علمه بأن في ذلك موته يدل على جواز إتلاف النفس في سبيل غاية نبيلة وهو استدلال وجيه للعمليات الاستشهادية أيضاً ، ولمعرفة حجم تلك الجريمة التي ارتكبها اليهود نسوق حديث عائشة -رضي الله عنها- الذي قالت فيه‏:‏ ‏"‏ كان رسولُ الله- صلى الله عليه وسلم - يقول في مرضه الذي مات فيه ‏:‏ يا عائشة ، ما أزال أجِدُ أَلَم الطعام الذي أكَلْتُ بخيبرَ ، وهذا أوانُ وجدتُ انقطاع أبْهَرِي من ذلك السَّم ‏"‏‏[‏ أخرجه البخاري‏]‏‏.‏

وكانت أم بشر بن البراء تقول دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي مات فيه وهو محموم فقلت ‏:‏ ما وجدت مثل ما وُعِك ‏[‏أي أصابه من الحمى‏]‏ عليك على أحد ‏.‏ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏"‏كما يُضاعف لنا الأجر كذلك يُضاعف لنا البلاء، زعم الناس أن برسول الله ذات الجنب ‏[‏ذات الجنب ‏:‏ دمل أو قرحة تعرض في جوف الإنسان ، تنفجر إلى داخل ، فيموت صاحبها ، وقد تنفجر إلى خارج‏]‏‏!‏ ما كان الله ليسلطها عليّ إنما هي هُمَزَةٌ من الشيطان، ولكنه من الأكلة التي أكلت أنا وابنك يوم خيبر ‏.‏ مازال يصيبني منها عِداد ‏[‏العداد ‏:‏ اهتياج وجع اللديغ، وذلك إذا تمت له سنة من يوم لدغ هاج به الألم‏]‏ حتى كان هذا أوان انقطاع أبهري ‏"‏ ‏.‏ فمات رسول الله - صلى الله عليه وسلم-شهيداً‏.‏

ولنا أن نشير هنا إلى الدور الخطير الذي تقوم به المرأة اليهودية في صراعنا معهم على مدى التاريخ فالكيان الصهيوني الخبيث هو الوحيد في العالم الذي يفرض تدريباً عسكرياً على النساء ويجعل على المرأة خدمة عسكرية إلزامية، فهنَّ يحملن السلاح ويتدربن عليه، ويتجندن في الجيش ويخططن لقتل المسلمين وإخراجهم من ديارهم كما

يخطط الرجال كما أنهن يوظفن في فتنة أبناء المسلمين وإغرائهن ويعملن على إسقاط الشباب والفتيات في براثن العمالة للاحتلال وينشرن الإيدز والمخدرات والفساد من خلال الجنس وغيره ‏.‏

وختاماً فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قتل مرحب وأخوه ياسر قال‏:‏‏"‏ أبشروا قد ترحبت خيبر وتيسرت‏"‏‏.‏ ولئن كان صعود النتن ياهو لرئاسة الوزارة قد جلب على قومه شيئاً من اسمه وأتاح للعالم أن يرى شيئاً من الصورة البشعة لليهود فإن صعود الإرهابي باراك سيكون مؤشراً للسقوط ورمزاً له،ولعل أول تلك المؤشرات ما حدث لجيشه في لبنان مؤخراً وسقوط المقولة الكاذبة بأنه ‏"‏جيش لا يقهر‏"‏‏.‏‏.‏‏.‏ وسيبرك باراك وحزبه وحكومته كمقدمة لسقوط كيانهم الخبيث بإذن الله ‏.‏ ‏{‏ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا‏}‏‏[‏ سورة الإسراء ‏:‏ الآية 51‏]‏ ‏.‏

 

المراجع

مراجع مستخدمة

الشؤون الدينية بدولة قطر الطبعة الثانية

المقريزي - شرح محمود شاكر

إمتاع الأسماع-الجزء 1 مكتبة المنار-الأردن الطبعة الثالثة 1411هـ 1990م

منير الغضبان المنهج الحركي للسيرة النبوية رابطة العالم الإسلامي الطبعة الثانية

صفي الرحمن المباركفوري الرحيق المختوم منشورات ‏"‏فلسطين المسلمة‏"‏ - لندن

الطبعة الثالثة 1998م

د‏.‏ صلاح الخالدي حقائق قرآنية حول القضية الفلسطينية دار ابن حزم - بيروت

الطبعة الأولى 1418هـ 1997م

زهير شفيق الكبي غزوات النبي صلى الله عليه وسلم لليهود مكتبة الفلاح -الكويت

الطبعة الأولى 1409هـ 1989م

غسان حمدان الانتفاضة المباركة-وقائع وأبعاد منشورات فلسطين المسلمة - لندن

الطبعة الثانية 1997م

غسان دوعر المهندس دار الفكر - دمشق الطبعة الأولى 1417هـ 1997م

نواف هايل تكروري العمليات الاستشهادية في الميزان الفقهي دار الكلمة للنشر والتوزيع - مصر الطبعة الأولى 1419هـ 1998م

محمد أحمد الراشد الأقصى وسبيل إنقاذه يناير 1994م رجب 1414هـ العدد الأول - السنة الثانية عشرة

مجلة فلسطين المسلمة أغسطس 1998م ربيع الثاني 1419هـ العدد الثامن - السنة السادسة عشرة مجلة فلسطين المسلمة /1996م 15رجب 1417هـ

العدد ‏(‏157‏)‏ - السنة الثالثة

صحيفة ‏"‏السبيل ‏"‏ الأردنية

صخر لبرامج الحاسوب

مجموعة العالمية

1996م

مجموعة برامج الأسرة

محول القياسات ‏(‏هجري-ميلادي‏)‏

مجموعة خليفة للكمبيوتر

جامع الأصول في أحاديث الرسول

الموسوعة الشاملة للأحاديث النبوية مكتبة المنار الإسلامية _ الكويت طبعة أولى 1413هـ 1992م

د‏.‏ سعد المرصفي

اليهود والخيانة